لعل التقاط صورة تذكارية لمجموعة من السائحين بين أعمدة أثرية تتجاوز أطوالها في بعض المواقع 14 مترا كمدرج بصرى الأثري أو الشارع المستقيم أو أعمدة الكليبة يثير العديد من الأسئلة الباحثة عن أجوبتها في أعماق التاريخ. بشكل أو بآخر أثارت هذه الأعمدة التساؤلات ودفعت الباحثين للاهتمام بها بتعدد أشكالها والطرز والعهود التاريخية الموثقة للثقافات والديانات والمعتقدات مؤكدة أنها لا تزال مخلصة للتأثيرات الأولى المحاكية للأشكال الطبيعية والابداعات بما تتضمنه من زخارف مميزة لكل مدرسة معمارية.لقد استعملت الأعمدة بأنواعها الكثيرة في المباني الرومانية والبيزنطية والاسلامية وتفنن منشئوها لتبدو اليوم غاية معمارية بحد ذاتها بتصميمها وتيجانها وقواعدها وطرزها وتشتهر منطقة حوران بالاعمدة النبطية المنحوتة بالصخر البازلتي وهو ما يلمسه الزائر في جميع مكونات النسيج العمراني الاثري في المنطقة. المهندسة وفاء العودة رئيسة دائرة آثار بصرى تشير إلى توفر العديد من طرز الاعمدة في المدينة تم استخدامها في المباني والصروح النبطية اضافة للوظيفة الجمالية في التزيين أو الإنشاء مبينة أن أعمدة المسرح كواحدة من نماذج الأعمدة جاءت بالطراز الكورنثي فزينت واجهة المسرح الروماني مستخدمة الحجر الكلسي فيما جاءت اعمدة الرواق العلوي على الطراز الدوري ومن الحجر البازلتي مؤكدة أن الاعمدة الحاضرة في المدينة باتت عنصر جذب سياحيا لمئات من السياح إضافة إلى دورها في البحوث التاريخية.وتتعدد أشكال الأعمدة حسب الفترة التي تعود إليها ويتميز العمود النبطي الواقع إلى الشرق مباشرة من الباب النبطي الذي يشكل جزءا من معبد يعود إلى الفترة النبطية بتاجه المشابه للاعمدة النبطية في مدينة البتراء الاردنية وغيرها من المدن النبطية فيما جاءت أعمدة الشارع المستقيم والشوارع الفرعية من أعمدة الطراز الأيوبي ومعظمها من الحجر البازلتي وبعضها من الحجر الكلسي كالاعمدة التي تزين الطريق المار من قوس النصر إلى المسرح وهذه الاعمدة كانت تتألف من عدة قطع يعلوها تاج وفي بعضها يتم نحت البروز ضمن العمود لوضع مصابيح إنارة. وتبين العودة أن اعمدة السقاية معبد حوريات الماء عبارة عن اربعة اعمدة من الطراز الكورنيثي بارتفاع يصل إلى 14 مترا وقطر 2ر1 متر وهي بقايا معبد روماني مخصص للسقاية وتعتبر نموذجا فريدا من نوعه في مدينة بصرى لضخامتها وشكل القاعدة المثمنة ونحتها من البازلت القاسي مبينة ان الطراز الكورنثي جاء من أصول العمارة المصرية ثم انتقل إلى الإغريق ونشأ في مدينة أثينا في القرن الخامس قبل الميلاد واشتقت تسميته من مدينة كورنث اليونانية وطوره الرومان في حقبة لاحقة واستعملوه في عمارتهم اضافة إلى استعمالهم طرز الأعمدة الإغريقية وتؤكد رئيس دائرة آثار بصرى أن الأعمدة الكلاسيكية استثمرت خلال الفترة الاسلامية في بناء المساجد كما هو الحال بالمسجد العمري اضافة إلى استخدام بعضها الاخر في بناء أبراج القلعة وبرزت اهميتها في حماية جران القلعة اثناء الزلازل والهزات الأرضية.وبالرغم من انتشار الأعمدة في مناطق المدينة القديمة وسط أبنية متجاورة إلا أن وجود بعضها بحالة متفردة كما هو الحال بالشارع المستقيم يدفع زوار المدينة بشكل دائم لاخذ اللقطات التذكارية بقربها.ويؤكد السائح انطوان سيرجيو أحد زوار مدينة بصرى من إيطاليا أن زيارة المدينة لا تكتمل دون التقاط الصور التذكارية أو تصوير مشاهد فيديو توثق الرحلة. وقال سيرجيو إن الاعمدة مثيرة بالنسبة للجميع دون استثناء وتأخذك تفاصيلها ان كانت قطعة واحدة او اكثر وتتساءل كيف نحتت وجلبت واصفا من بناها بأنهم بارعون بكل شيء حتى في نحت الصخر الأصم. فيما يشير اغناسيو مورا من اسبانيا إلى أن زيارة الاماكن الاثرية تستحق المعاناة والسفر لمسافات طويلة مؤكدا أن أكثر المشاهد المثيرة والملفتة تتمثل بالعدد الهائل من الاعمدة واختلاف طرزها ومدارسها المعمارية لافتا إلى ان الجميع في بلده ينتظرون سرد تفاصيل يرويها لهم عن المناطق الاثرية في سورية مؤكدا أن الوقوف إلى جانب الأعمدة يعطي إحساسا جميلا ورائعا بالرهبة وأنت تلامس رموز الحضارة والتاريخ المستوحاة منها.